"جندرمة*" الحوثي يقتحمون شركة صافر النفطية: اللصوص الجُدد!
محمد عبده العبسي
في مشهد جدير بعرضه في أحد أفلام هوليود أو مسلسلات العصابات والأكشن اقتحم ظهر أمس عشرات من مسلحي الحوثيين مقر إدارة شركة صافر الحكومية، أكبر منتج للنفط والغاز في اليمن، يقودهم قيادي ميداني في الجماعة يُدعى "أبو أحمد".
هكذا دون سابق إنذار، اكتظت باحة حوش الشركة بالمسلحين، أو ما يُطلق عليه الحوثيون اسم "اللجان الشعبية". للحظات بدا المشهد شبيهاً بسوق جحانة لبيع السلاح في عز الظهيرة، وليس مقر شركة نفطية تعد الأولى في رفد الخزينة العامة بالأموال، والرافعة الأساسية للاقتصادبعبارة أوضح: صافر هي الشركة الوطنية التي توفر 40% من موازنة الدولة، التي تذهب لصالح الجيش ووزارة الدفاع، التي تصرف بعد ذلك على شراء أسلحة ودبابات ومعدات عسكرية سوف تنهبها في نهاية المطاف مليشيات الحوثي من رفقاء "أبو أحمد" نفسه، الذي جاء لتفقد سير عمل الشركة وحمايتها من الفساد (!!)
أترون كيف تجري دورة المال في اليمن؟
اعتدوا عليه لأنه طلب دخول خمسة لمقابلة المدير بدلاً عن كتيبة!
أعرف ما سيقوله مطبخ الحوثي من مبررات وأكاذيب معتادة: سيقولون أنتم مخطئون. أنتم ضحايا الإعلام الإخواني الداعشي. ما حصل لم يكن اقتحاماً وإنما زيارة، هكذا بكل بساطة واستخفاف بعقول الناس. تماماً مثلما قيل إن اقتحام منزل توكل كرمان وقحطان حماية لهما من عصابات النهب وأن على أصحابها أن يكونوا شاكرين وممنوين! ألم يُقل أيضاً أن مليشيات حسين الأحمر هي التي اقتحمت مقر الاشتراكي نت واعتقلت الصحفي بدر القباطي في وقت لا قوة فيه في أرجاء العاصمة سوى للحوثيين، حتى أن حسين ذاته لا يأمن هذه الايام على سلامة رأسه!
سيقولون زيارةً إذن وليس اقتحاماً. لكن جميع سكان كوكب الأرض يميزون الفرق بين الزيارة والاقتحام. ذلك أن الزيارة تكون بناء على موعد مسبق وتنسيق، وليس بالطرق الهمجية المنافية للأخلاق والأعراف والحضارة الإنسانية. والزائر، في أي مكان في العالم، يُظهر احترامه لمن يزوره عن طريق التزامه بحرمة المكان المزُور وتقاليده. هناك أعراف إنسانية عابرة للقارات والثقافات لا يختلف عليها شخصان: فمن قلة الذوق وانعدام الأخلاق أن تدخل مسجداً، مثلاً، مرتدياً حذاءيك، أو أن تشعل سيجارة في داخل حرم مستشفى، أو أن تدخل شركة نفطية بثلاثين أو أربعين مسلحاً وكأنك في طريقك إلى مداهمة وكر تابع لتنظيم داعش.
مع الأسف، كل يوم ازداد يقيناً أن من يأمل أن يتحول الحوثيون إلى العمل السياسي كمن يأمل أن تتحول دبابة أو مدرعة إلى سيارة إسعاف! أو عربة تسقي أشجار جزر الرصيف، أو حراثة حقل زراعي.
سيقولون، كما هي عادتهم في التبرير لجرائمهم وانتهاكاتهم، إنها زيارة تفقدية ضمن مهام اللجان الشعبية في تفقد مؤسسات الدولة وأوضاع العاملين فيها وحمايتها من الفاسدين وبموجب اتفاق السلم والشراكة الذي لم ينص على أي دور ولا على لجان شعبية بالصيغة الحالية ولكنهم يستثمرون جهل الناس وشفاهية المجتمع اليمني وحساسيته من القراءة. حسناً. في أي مجتمع متعافى وسويّ كان ليكون السؤال البديهي في هذه الحالة، هو: بأي حقك وأي صفة يفعل أبو أحمد وكتيبته ذلك؟ لكن سؤالاً كهذا بات ترفياً ولم يعد وارداً بعدئذ أسقطت مليشيات الحوثي العاصمة وباتت تديرها وتتوسع كل يوم من محافظة إلى أخرى. وبالتالي، بعد تجاوز وإسقاط السؤال البديهي حول صفة أبو أحمد وجماعته، دعونا نسأل الحوثيين كأشخاص يميزون، بعضهم على الأقل، بين الزيارة وآدابها وبين "البلطجة" وسلوكها:
إن كانت زيارة كما تزعمون -وستزعمون- لماذا إذن اعتدى مجموعة من مسلحي المسيرة القرانية (!!!) على مدير مكتب المدير العام لمجرد أنه طلب منهم بكل أدب وذوق، أمام العشرات من موظفي الشركة كشهود للواقعة، أن يتم اختيار ثلاثة أربعة أشخاص كممثلين عن المجموعة لمقابلة المدير ونائبه والمختصين في الشركة بدلاً من دخول "كتيبة" بكاملها أمام موظفين أجانب سيأخذون انطباعاً سيئاً عن اليمن والوضع السياسي.
بدلاً عن ذلك شعر مسلحو المسيرة القرآنية بالإهانة وكأنه وجّه لهم شتيمة، فما كان منهم إلا أن قاموا بالاعتداء عليه، كموظف دولة بلا شرف ولا هيبة، وقاموا بدفعه و"دهفه" و"هزورته" وكأنها الترجمة الحرفية لوعيهم وفهمهم لمكارم الأخلاق.
اللهم صلّي على محمد وآل محمد
يتلفّت في مباني الشركة كأنه هند بن عتبة تتلفت بحثاً عن جثة حمزة!
بعد أن أرعبوا مدير المكتب الشاب الذي تجرأ على الاعتراض على مسلحي المسيرة القرآنية واعتدوا عليه لإيصال رسالة رعب لكل من يقف أمامهم، كفيلة بإرعاب أمريكا وإسرائيل، دخل القائد أبو أحمد، مكتب المدير العام ونائبه دخول الأبطال تصطحبه، لا أمزح، كاميرا قناة المسيرة، ومعه إلى جانب كتيبة المسلحين تلك، لا أمزح أيضاً، السياسي البارز في حزب البعث "الرفيق" نايف القانص، والإعلامي (هل أقول الزميل؟) فارس أبوبارعة.
أهلاً وسهلاً.. يا مرحبا
دخلوا المكتب، إذن، لا دخول زائر يحترم ويقدر من يزروه، ولا دخول من يطمئن على سير الأعمال في مؤسسات الدولة التي يدعّي حمايتها، وإنما دخول أمير حرب جاء لإحصاء غنائم المعركة وإعتاق من تبقى من الأسرى. كان يتلفّت ويتفحّص مباني الشركة كأنه هند بنت عتبة، وهي تتلفت في أرض أُحد بحثاً عن جثة حمزة!
حمزة!
"مزّق"
صرخت هند.
"مزّق" قالت لعبدها وحشي.
"مزّق" قالتها بلهجة من اعتاد إلقاء الأوامر.
وبذات اللهجة، إنما بعد البسملة والاستشهاد بكلمة الـ"سيّد" عبدالملك واتفاق السلم والشراكة، خاطب القيادي الحوثي أبو أحمد مدير شركة صافر ونائبه بلهجة من اعتاد على إلقاء الأوامر:
وقّف تصدير الغاز.
كأن صاعقة رعدية نزلت على رأس مدير الشركة.
لم تكن ملامح محدثه تنمّ عن أنه يمزح. فأبو أحمد جاد في كل كلمة. بلع المهندس أحمد كليب ريقه وقال له بأدب شخص تربى جيداً، ووطّن نفسه على معاملة الناس بذوق حتى في المكاره. قال: أنا مجرد موظف أعمل لدى الدولة. فليصدر قرار من وزير النفط أو رئيس الوزراء بإيقاف تصدير الغاز المسال وسوف نغلق الأنبوب بعد دقائق من صدور القرار. هكذا تجري الأمور. نحن مجرد "مشغّل" وليس لدينا ما نخفيه أو نخافه. اسأل عن أي شيء وتحقق من أي شيء وسوف نوضحه لك بكل شفافية وصدر رحب.
شرح بعد ذلك نائب مدير الشركة المهندس سيف الشريف لمبعوثي مسيرة القرآن وضع الشركة والاتفاقيات الموقعة، وضرورة احترام اليمن العقود الدولية الموقعة، واحتمالية دفع مليارات الدولارات كتعويض للشركات الأجنبية في حال ما قامت اليمن بالإخلال بالاتفاقية دون وجود مسوغ قانوني أو دستوري.
بعد أنهى المهندس الشريف مرافعته القانونية التوضيحية تظاهر أبو أحمد أنه تفهّم الأمر وسيتغاضى عنه من باب الإكرام والعطف ليس إلا وليس خشية "ترهات" القانون والمواثيق والعهود الدولية. فمقاتلو الحوثي لا يخافون ولا يأبهون بالمجتمع الدولي، ولا العقوبات. إنهم مؤيدين من الله ورسوله. ثم أصدر أبو أحمد أمراً آخراً:
"وقفّوا كل الصرفيات ما عدا المرتبات".
تحلّى قيادي الشركة بأعلى قدر من ضبط الأعصاب والهدوء الذي أحسدهم عليه.
شرحوا له الفرق بين الوزارات التي مرت بها اللجان الشعبية كوزارة المالية مثلاً وبين شركة نفطية بحجم وأعباء شركة صافر. شركة تعمل على صيانة العشرات من الآبار بشكل يومي. فضلاً عن عمليات الاستكشاف والتنقيب في الحقول الاستكشافية، فضلاً عن الحفارات ومتطلبات تشغيلها، فضلاً عن أنها مضطرة بسبب أعمال التخريب والتفجير المنظم، والحرب اليومية التي يتعرض لها أنبوب صافر من المخربين، إلى صيانة وإصلاح أنبوب النفط، الذي يتعرض لهجوم تخريبي بمعدل مرة، أو مرتان، في الأسبوع الواحد، فضلاً عن عمليات تكرير 10 ألف برميل نفط يومياً في مصفاة مأرب، فضلاً عن الشحن والنقل إلى ميناء رأس عيسى والتهديدات اليومية التي يتلقونها من "كلفوت" ورفاقه، واختطاف موظفي الشركة وسياراتها ونهبها (وهي أمور لا تخفى بالتأكيد عليهم كذوي خبرة)، ثم أخيراً وليس آخراً كيف أن شركة صافر لم تحصل على موازنتها السنوية منذ يناير 2014 بسبب خلاف مع وزير المالية السابق صخر الوجيه أحد خصوم الجماعة، وأنها استطاعت تغطية نفقاتها عن طريق تقليص وضبط نفقاتها ومصروفتها، وهو أمر لا يدركه إلا العاملون في وزارة المالية والمجال الاقتصادي بالضرورة.
من يراهنني على أن أبو أحمد ضحك في سرّه، عندما قيل له إن الشركة لم تحصل على موازنتها السنوية منذ يناير 2014، ولعله قال بينه وبين نفسه: "على غيري"! لهذا السبب، أو سوء الظن المتوقع أنقل لكم هذه الفقرةالتي كتبتها قبل تسعة أشهر من الآن، حرفياً، في مدونتي: تتعرض صافر للحرب من جهتين: المخربون من جهة، ووزير المالية من جهة أخرى. ذلك أن الشركة لم تتلق تعزيزها المالي من وزارة المالية منذ يناير 2014م وتغطي نفقات التشغيل من موارد ذاتية بمشقة بالغة.
لماذا لا يزور الحوثيون شركة توتال (مصدّر الغاز) وليس صافر؟
تعامل قياديو صافر إذن بمنتهى الشفافية والأدب مع أبو أحمد، كما لو أنه رئيس اللجنة النفطية في البرلمان أو مندوب هيئة مكافحة الفساد -وليس قائد ميداني في جماعة نهبت 142 دبابة وتشكيلة منوعة من السلاح المتوسط والثقيل من معسكرات الجيش- وشرحوا له أنشطة الشركة ودورها في الاقتصاد الوطني وكيف أنها تقوم بشكل حصري بالتالي:
1- المنتج الوحيد للغاز المسال المصدر للخارج عبر شركة يمن lng(توتال وشركاءها)
2- المنتج الوحيد للغاز البترولي المسال (الغاز المنزلي) lpg في جميع أنحاء اليمن.
3- المنتج الوحيد للغاز المشغل لمحطة مأرب الكهربائية وأكبر منتج للنفط والنفط المكافئ في البلد.
بعد أن جف ريق نائب مدير الشركة المهندس سيف الشريف، أصدر ابو أحمد أمراً جديداً في حالة فريدة من الاندماج مع الدور أكثر من اللازم.
قال: وقفوا التوظيف.
أي توظيف. نحن شركة لديها معايير عالية جدا في الجودة، وإعلانات تنافسية في الوظائف، وكل ما نقوم به تستطيع الحصول عليه من الجهاز المركزي للرقابة، أو وزارة الخدمة المدنية، أو وزارة المالية.
في الحقيقة لم يعني القيادي الحوثي شيئاً مما قاله وإنما هو يطلب عكسه بطريقة غير مباشر كأي قاطع طريق أو "متفيّد" من أولئك الذين قال الحوثيون إنهم ثاروا أصلاً ضدهم. أي نفع يجتني الشعب إذا مات فرعون وبقيت الفرعنة" حسب تعبير الراحل عبدالله البردوني.
والحال أن أبو أحمد عندما قال أوقفوا التوظيف فإنما هو يعني العكس تماماً. أي: لم لا توظفون بعضاً من أتباعنا؟ نفس الشيء ينطبق على معظم ما قاله في زياراته الميمونة. إنها طريقة مبتكرة للابتزاز المقنّع عن طريق التظاهر بالحرص على المال ومحاربة الفساد الذي يستثنى منه طبعاً سرقة الدبابات وراجمات الصواريخ!
الاشنع، والصادم لي شخصياً، أن اللجان الشعبية التي تقوم بحماية الشركة، وتلك فضيحة أخرى، وعددهم أربعين شخصاً لا تحتاجهم الشركة، تبين لي لاحقاً أنهم يتلقون 2500 ريال يومياً من وزارة النفط والمعادن.
عجيب: أليسوا مجاهدين؟
ألا يقومون بالحماية في سبيل الله وخدمة الوطن؟
دعكم منها. فتلك لا شك، سيقول المطبخ، إشاعة إخوانية داعشية.
اتصل بي أحد موظفي الشركة وقال بانفعال من يقول الحقيقة: (لو الحوثيين رجال من صدق يروحوا توتال أو يمن lng التي تنهب الغاز اليمني وليس صافر) فضحكت وقلت له: هل صدقت فعلاً إن هؤلاء حريصين على غاز اليمن الذي ينهب بسبب اتفاقية وقعت في عهد "الزعيم" الذي لم يقتربوا حتى من دارته في حي الكميم! وماذا تتوقع من جماعة اقتحمت منزل توكل كرمان او منزل شاب كعدنان العديني يسكن منزل إيجار، وتركت قصور وفلل من حكموا البلد ثلاثة عقود، هل أضيف أنها اقتحمت مقار ومراكز تحفيظ إسلامية ولم تقترب من السفارة الأمريكية، لا لست أنا من يفعل، فتلك طريقة رديئة في المقارنة ودعوة إلى ممارسة جريمة وانتهاك لحرمة سفارة أجنبية.
بالمجمل هذه الزيارة لا ينبغي أن تمر مرور الكرام على الرأي العام ونخب السياسة والاقتصاد. إذ لا يمكن قراءتها إلا باعتبارها رسالة تهديد للشركة وموظفيها، ومحاولة لتطويعهم، ما لم فإن "اللجان الشعبية" ولجان الرقابة التي أنشأ الحوثيون العديد منها في عدد من وزارات ومؤسسات الدولة ستقوم بالمهمة: ثورة مؤسسات على طريقة الإخوان في 2012م مع فارق أن هذه النسخة أكثر تبجحاً وإدعاء. أو أن هذه الزيارة، أعني الاقتحام، في قراءة أخرى يراد منها التعارف وتطبيع العلاقة، تمهيداً لجبهة حرب ومعركة جديدة ينوي الحوثيون خوضها قريباً: معركة مأرب.
لا تستبعدوا ذلك في ظل رئاسة اليمن من قبل هادي (رئيس ملزمة الحوار الوطني) ووزير دفاعه الذي أهان ودمر الجيش اليمني.
تكلفة إنتاج برميل النفط 3 دولار في صافر 29 دولار في توتال!
والآن دعونا نعطي لمحة تثقيفة عن شركة صافر الوطنية لأنصار ومتعصبي الحوثي الذين سيسارعون إلى التكذيب والنفي وكيل تهم الداعشية وحماية والدفاع عن اللصوص حتى قبل قراءة فقرتين من المقال (اقرؤوا التعليقات وحسب).
منذ ثلاث سنوات وهناك مؤسستان حكوميتان تتعرضان لحرب استنزاف يومية كما كتبت مراراً:
محطة مأرب الغازية وشركة صافر.
مرة أو مرتان في الأسبوع يتعرض أنبوب صافر للاعتداء.
محمد عبده العبسي
في مشهد جدير بعرضه في أحد أفلام هوليود أو مسلسلات العصابات والأكشن اقتحم ظهر أمس عشرات من مسلحي الحوثيين مقر إدارة شركة صافر الحكومية، أكبر منتج للنفط والغاز في اليمن، يقودهم قيادي ميداني في الجماعة يُدعى "أبو أحمد".
هكذا دون سابق إنذار، اكتظت باحة حوش الشركة بالمسلحين، أو ما يُطلق عليه الحوثيون اسم "اللجان الشعبية". للحظات بدا المشهد شبيهاً بسوق جحانة لبيع السلاح في عز الظهيرة، وليس مقر شركة نفطية تعد الأولى في رفد الخزينة العامة بالأموال، والرافعة الأساسية للاقتصادبعبارة أوضح: صافر هي الشركة الوطنية التي توفر 40% من موازنة الدولة، التي تذهب لصالح الجيش ووزارة الدفاع، التي تصرف بعد ذلك على شراء أسلحة ودبابات ومعدات عسكرية سوف تنهبها في نهاية المطاف مليشيات الحوثي من رفقاء "أبو أحمد" نفسه، الذي جاء لتفقد سير عمل الشركة وحمايتها من الفساد (!!)
أترون كيف تجري دورة المال في اليمن؟
اعتدوا عليه لأنه طلب دخول خمسة لمقابلة المدير بدلاً عن كتيبة!
أعرف ما سيقوله مطبخ الحوثي من مبررات وأكاذيب معتادة: سيقولون أنتم مخطئون. أنتم ضحايا الإعلام الإخواني الداعشي. ما حصل لم يكن اقتحاماً وإنما زيارة، هكذا بكل بساطة واستخفاف بعقول الناس. تماماً مثلما قيل إن اقتحام منزل توكل كرمان وقحطان حماية لهما من عصابات النهب وأن على أصحابها أن يكونوا شاكرين وممنوين! ألم يُقل أيضاً أن مليشيات حسين الأحمر هي التي اقتحمت مقر الاشتراكي نت واعتقلت الصحفي بدر القباطي في وقت لا قوة فيه في أرجاء العاصمة سوى للحوثيين، حتى أن حسين ذاته لا يأمن هذه الايام على سلامة رأسه!
سيقولون زيارةً إذن وليس اقتحاماً. لكن جميع سكان كوكب الأرض يميزون الفرق بين الزيارة والاقتحام. ذلك أن الزيارة تكون بناء على موعد مسبق وتنسيق، وليس بالطرق الهمجية المنافية للأخلاق والأعراف والحضارة الإنسانية. والزائر، في أي مكان في العالم، يُظهر احترامه لمن يزوره عن طريق التزامه بحرمة المكان المزُور وتقاليده. هناك أعراف إنسانية عابرة للقارات والثقافات لا يختلف عليها شخصان: فمن قلة الذوق وانعدام الأخلاق أن تدخل مسجداً، مثلاً، مرتدياً حذاءيك، أو أن تشعل سيجارة في داخل حرم مستشفى، أو أن تدخل شركة نفطية بثلاثين أو أربعين مسلحاً وكأنك في طريقك إلى مداهمة وكر تابع لتنظيم داعش.
مع الأسف، كل يوم ازداد يقيناً أن من يأمل أن يتحول الحوثيون إلى العمل السياسي كمن يأمل أن تتحول دبابة أو مدرعة إلى سيارة إسعاف! أو عربة تسقي أشجار جزر الرصيف، أو حراثة حقل زراعي.
سيقولون، كما هي عادتهم في التبرير لجرائمهم وانتهاكاتهم، إنها زيارة تفقدية ضمن مهام اللجان الشعبية في تفقد مؤسسات الدولة وأوضاع العاملين فيها وحمايتها من الفاسدين وبموجب اتفاق السلم والشراكة الذي لم ينص على أي دور ولا على لجان شعبية بالصيغة الحالية ولكنهم يستثمرون جهل الناس وشفاهية المجتمع اليمني وحساسيته من القراءة. حسناً. في أي مجتمع متعافى وسويّ كان ليكون السؤال البديهي في هذه الحالة، هو: بأي حقك وأي صفة يفعل أبو أحمد وكتيبته ذلك؟ لكن سؤالاً كهذا بات ترفياً ولم يعد وارداً بعدئذ أسقطت مليشيات الحوثي العاصمة وباتت تديرها وتتوسع كل يوم من محافظة إلى أخرى. وبالتالي، بعد تجاوز وإسقاط السؤال البديهي حول صفة أبو أحمد وجماعته، دعونا نسأل الحوثيين كأشخاص يميزون، بعضهم على الأقل، بين الزيارة وآدابها وبين "البلطجة" وسلوكها:
إن كانت زيارة كما تزعمون -وستزعمون- لماذا إذن اعتدى مجموعة من مسلحي المسيرة القرانية (!!!) على مدير مكتب المدير العام لمجرد أنه طلب منهم بكل أدب وذوق، أمام العشرات من موظفي الشركة كشهود للواقعة، أن يتم اختيار ثلاثة أربعة أشخاص كممثلين عن المجموعة لمقابلة المدير ونائبه والمختصين في الشركة بدلاً من دخول "كتيبة" بكاملها أمام موظفين أجانب سيأخذون انطباعاً سيئاً عن اليمن والوضع السياسي.
بدلاً عن ذلك شعر مسلحو المسيرة القرآنية بالإهانة وكأنه وجّه لهم شتيمة، فما كان منهم إلا أن قاموا بالاعتداء عليه، كموظف دولة بلا شرف ولا هيبة، وقاموا بدفعه و"دهفه" و"هزورته" وكأنها الترجمة الحرفية لوعيهم وفهمهم لمكارم الأخلاق.
اللهم صلّي على محمد وآل محمد
يتلفّت في مباني الشركة كأنه هند بن عتبة تتلفت بحثاً عن جثة حمزة!
بعد أن أرعبوا مدير المكتب الشاب الذي تجرأ على الاعتراض على مسلحي المسيرة القرآنية واعتدوا عليه لإيصال رسالة رعب لكل من يقف أمامهم، كفيلة بإرعاب أمريكا وإسرائيل، دخل القائد أبو أحمد، مكتب المدير العام ونائبه دخول الأبطال تصطحبه، لا أمزح، كاميرا قناة المسيرة، ومعه إلى جانب كتيبة المسلحين تلك، لا أمزح أيضاً، السياسي البارز في حزب البعث "الرفيق" نايف القانص، والإعلامي (هل أقول الزميل؟) فارس أبوبارعة.
أهلاً وسهلاً.. يا مرحبا
دخلوا المكتب، إذن، لا دخول زائر يحترم ويقدر من يزروه، ولا دخول من يطمئن على سير الأعمال في مؤسسات الدولة التي يدعّي حمايتها، وإنما دخول أمير حرب جاء لإحصاء غنائم المعركة وإعتاق من تبقى من الأسرى. كان يتلفّت ويتفحّص مباني الشركة كأنه هند بنت عتبة، وهي تتلفت في أرض أُحد بحثاً عن جثة حمزة!
حمزة!
"مزّق"
صرخت هند.
"مزّق" قالت لعبدها وحشي.
"مزّق" قالتها بلهجة من اعتاد إلقاء الأوامر.
وبذات اللهجة، إنما بعد البسملة والاستشهاد بكلمة الـ"سيّد" عبدالملك واتفاق السلم والشراكة، خاطب القيادي الحوثي أبو أحمد مدير شركة صافر ونائبه بلهجة من اعتاد على إلقاء الأوامر:
وقّف تصدير الغاز.
كأن صاعقة رعدية نزلت على رأس مدير الشركة.
لم تكن ملامح محدثه تنمّ عن أنه يمزح. فأبو أحمد جاد في كل كلمة. بلع المهندس أحمد كليب ريقه وقال له بأدب شخص تربى جيداً، ووطّن نفسه على معاملة الناس بذوق حتى في المكاره. قال: أنا مجرد موظف أعمل لدى الدولة. فليصدر قرار من وزير النفط أو رئيس الوزراء بإيقاف تصدير الغاز المسال وسوف نغلق الأنبوب بعد دقائق من صدور القرار. هكذا تجري الأمور. نحن مجرد "مشغّل" وليس لدينا ما نخفيه أو نخافه. اسأل عن أي شيء وتحقق من أي شيء وسوف نوضحه لك بكل شفافية وصدر رحب.
شرح بعد ذلك نائب مدير الشركة المهندس سيف الشريف لمبعوثي مسيرة القرآن وضع الشركة والاتفاقيات الموقعة، وضرورة احترام اليمن العقود الدولية الموقعة، واحتمالية دفع مليارات الدولارات كتعويض للشركات الأجنبية في حال ما قامت اليمن بالإخلال بالاتفاقية دون وجود مسوغ قانوني أو دستوري.
بعد أنهى المهندس الشريف مرافعته القانونية التوضيحية تظاهر أبو أحمد أنه تفهّم الأمر وسيتغاضى عنه من باب الإكرام والعطف ليس إلا وليس خشية "ترهات" القانون والمواثيق والعهود الدولية. فمقاتلو الحوثي لا يخافون ولا يأبهون بالمجتمع الدولي، ولا العقوبات. إنهم مؤيدين من الله ورسوله. ثم أصدر أبو أحمد أمراً آخراً:
"وقفّوا كل الصرفيات ما عدا المرتبات".
تحلّى قيادي الشركة بأعلى قدر من ضبط الأعصاب والهدوء الذي أحسدهم عليه.
شرحوا له الفرق بين الوزارات التي مرت بها اللجان الشعبية كوزارة المالية مثلاً وبين شركة نفطية بحجم وأعباء شركة صافر. شركة تعمل على صيانة العشرات من الآبار بشكل يومي. فضلاً عن عمليات الاستكشاف والتنقيب في الحقول الاستكشافية، فضلاً عن الحفارات ومتطلبات تشغيلها، فضلاً عن أنها مضطرة بسبب أعمال التخريب والتفجير المنظم، والحرب اليومية التي يتعرض لها أنبوب صافر من المخربين، إلى صيانة وإصلاح أنبوب النفط، الذي يتعرض لهجوم تخريبي بمعدل مرة، أو مرتان، في الأسبوع الواحد، فضلاً عن عمليات تكرير 10 ألف برميل نفط يومياً في مصفاة مأرب، فضلاً عن الشحن والنقل إلى ميناء رأس عيسى والتهديدات اليومية التي يتلقونها من "كلفوت" ورفاقه، واختطاف موظفي الشركة وسياراتها ونهبها (وهي أمور لا تخفى بالتأكيد عليهم كذوي خبرة)، ثم أخيراً وليس آخراً كيف أن شركة صافر لم تحصل على موازنتها السنوية منذ يناير 2014 بسبب خلاف مع وزير المالية السابق صخر الوجيه أحد خصوم الجماعة، وأنها استطاعت تغطية نفقاتها عن طريق تقليص وضبط نفقاتها ومصروفتها، وهو أمر لا يدركه إلا العاملون في وزارة المالية والمجال الاقتصادي بالضرورة.
من يراهنني على أن أبو أحمد ضحك في سرّه، عندما قيل له إن الشركة لم تحصل على موازنتها السنوية منذ يناير 2014، ولعله قال بينه وبين نفسه: "على غيري"! لهذا السبب، أو سوء الظن المتوقع أنقل لكم هذه الفقرةالتي كتبتها قبل تسعة أشهر من الآن، حرفياً، في مدونتي: تتعرض صافر للحرب من جهتين: المخربون من جهة، ووزير المالية من جهة أخرى. ذلك أن الشركة لم تتلق تعزيزها المالي من وزارة المالية منذ يناير 2014م وتغطي نفقات التشغيل من موارد ذاتية بمشقة بالغة.
لماذا لا يزور الحوثيون شركة توتال (مصدّر الغاز) وليس صافر؟
تعامل قياديو صافر إذن بمنتهى الشفافية والأدب مع أبو أحمد، كما لو أنه رئيس اللجنة النفطية في البرلمان أو مندوب هيئة مكافحة الفساد -وليس قائد ميداني في جماعة نهبت 142 دبابة وتشكيلة منوعة من السلاح المتوسط والثقيل من معسكرات الجيش- وشرحوا له أنشطة الشركة ودورها في الاقتصاد الوطني وكيف أنها تقوم بشكل حصري بالتالي:
1- المنتج الوحيد للغاز المسال المصدر للخارج عبر شركة يمن lng(توتال وشركاءها)
2- المنتج الوحيد للغاز البترولي المسال (الغاز المنزلي) lpg في جميع أنحاء اليمن.
3- المنتج الوحيد للغاز المشغل لمحطة مأرب الكهربائية وأكبر منتج للنفط والنفط المكافئ في البلد.
بعد أن جف ريق نائب مدير الشركة المهندس سيف الشريف، أصدر ابو أحمد أمراً جديداً في حالة فريدة من الاندماج مع الدور أكثر من اللازم.
قال: وقفوا التوظيف.
أي توظيف. نحن شركة لديها معايير عالية جدا في الجودة، وإعلانات تنافسية في الوظائف، وكل ما نقوم به تستطيع الحصول عليه من الجهاز المركزي للرقابة، أو وزارة الخدمة المدنية، أو وزارة المالية.
في الحقيقة لم يعني القيادي الحوثي شيئاً مما قاله وإنما هو يطلب عكسه بطريقة غير مباشر كأي قاطع طريق أو "متفيّد" من أولئك الذين قال الحوثيون إنهم ثاروا أصلاً ضدهم. أي نفع يجتني الشعب إذا مات فرعون وبقيت الفرعنة" حسب تعبير الراحل عبدالله البردوني.
والحال أن أبو أحمد عندما قال أوقفوا التوظيف فإنما هو يعني العكس تماماً. أي: لم لا توظفون بعضاً من أتباعنا؟ نفس الشيء ينطبق على معظم ما قاله في زياراته الميمونة. إنها طريقة مبتكرة للابتزاز المقنّع عن طريق التظاهر بالحرص على المال ومحاربة الفساد الذي يستثنى منه طبعاً سرقة الدبابات وراجمات الصواريخ!
الاشنع، والصادم لي شخصياً، أن اللجان الشعبية التي تقوم بحماية الشركة، وتلك فضيحة أخرى، وعددهم أربعين شخصاً لا تحتاجهم الشركة، تبين لي لاحقاً أنهم يتلقون 2500 ريال يومياً من وزارة النفط والمعادن.
عجيب: أليسوا مجاهدين؟
ألا يقومون بالحماية في سبيل الله وخدمة الوطن؟
دعكم منها. فتلك لا شك، سيقول المطبخ، إشاعة إخوانية داعشية.
اتصل بي أحد موظفي الشركة وقال بانفعال من يقول الحقيقة: (لو الحوثيين رجال من صدق يروحوا توتال أو يمن lng التي تنهب الغاز اليمني وليس صافر) فضحكت وقلت له: هل صدقت فعلاً إن هؤلاء حريصين على غاز اليمن الذي ينهب بسبب اتفاقية وقعت في عهد "الزعيم" الذي لم يقتربوا حتى من دارته في حي الكميم! وماذا تتوقع من جماعة اقتحمت منزل توكل كرمان او منزل شاب كعدنان العديني يسكن منزل إيجار، وتركت قصور وفلل من حكموا البلد ثلاثة عقود، هل أضيف أنها اقتحمت مقار ومراكز تحفيظ إسلامية ولم تقترب من السفارة الأمريكية، لا لست أنا من يفعل، فتلك طريقة رديئة في المقارنة ودعوة إلى ممارسة جريمة وانتهاك لحرمة سفارة أجنبية.
بالمجمل هذه الزيارة لا ينبغي أن تمر مرور الكرام على الرأي العام ونخب السياسة والاقتصاد. إذ لا يمكن قراءتها إلا باعتبارها رسالة تهديد للشركة وموظفيها، ومحاولة لتطويعهم، ما لم فإن "اللجان الشعبية" ولجان الرقابة التي أنشأ الحوثيون العديد منها في عدد من وزارات ومؤسسات الدولة ستقوم بالمهمة: ثورة مؤسسات على طريقة الإخوان في 2012م مع فارق أن هذه النسخة أكثر تبجحاً وإدعاء. أو أن هذه الزيارة، أعني الاقتحام، في قراءة أخرى يراد منها التعارف وتطبيع العلاقة، تمهيداً لجبهة حرب ومعركة جديدة ينوي الحوثيون خوضها قريباً: معركة مأرب.
لا تستبعدوا ذلك في ظل رئاسة اليمن من قبل هادي (رئيس ملزمة الحوار الوطني) ووزير دفاعه الذي أهان ودمر الجيش اليمني.
تكلفة إنتاج برميل النفط 3 دولار في صافر 29 دولار في توتال!
والآن دعونا نعطي لمحة تثقيفة عن شركة صافر الوطنية لأنصار ومتعصبي الحوثي الذين سيسارعون إلى التكذيب والنفي وكيل تهم الداعشية وحماية والدفاع عن اللصوص حتى قبل قراءة فقرتين من المقال (اقرؤوا التعليقات وحسب).
منذ ثلاث سنوات وهناك مؤسستان حكوميتان تتعرضان لحرب استنزاف يومية كما كتبت مراراً:
محطة مأرب الغازية وشركة صافر.
مرة أو مرتان في الأسبوع يتعرض أنبوب صافر للاعتداء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق