الأربعاء، 5 نوفمبر 2014

عن ديار غاندي !! ( 2 - 2 )

عن ديار غاندي!!(2 ـ 2)
علي الغليسي
في ديار غاندي كل شيء مختلف ، لا تحس بالزحام وأنت في ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان ، ولا تشعر بالاختلافات الدينية والمذهبية وأنت في مجتمع له عشرات اللغات واللهجات وثمان ديانات رئيسية ومئات الآلهة بالإضافة إلى (1429)حزباً سياسياً ..الناس هنا يقبلون ببعضهم البعض ولا يفتشون في الهوية الدينية والعرقية والسلالية..كم هي جميلة بلاد العجائب التي كانت تعتبر أهم مستعمرات الامبراطورية البريطانية, وتحدث ونستون تشرشل عن أهميتها بالنسبة لبريطانيا العظمى ((إن بريطانيا مستعدة أن تتنازل عن جميع مستعمراتها لا سيما درة التاج البريطاني (الهند)، ولكنها غير مستعدة ان تتنازل عن أدب شكسبير)).
زرت مع مجموعة الشباب المشاركين في لقاء التبادل في المجتمع المدني لدول آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقياالذي انعقد بنيودلهي عدة أحزاب ومنظمات وهيئات حكومية وشبكات إعلامية وكانت الديمقراطية والانتخابات المحور الرئيسي لتلك الفعالية التي اكتسبت خلالها الكثير من المعارف وأطلعت على جملة من التجارب المتميزة في الهند،(واحة الديمقراطية) وأعرق ديمقراطيات الشرق وأكبر دولة ديمقراطية في العالم استناداً إلى الكثافة السكانية وقدرتها على تجاوز تعقيدات بالغة الصعوبة في الطريق نحو بناء ديمقراطية حقيقية ... يقول ( نورمان براون) في كتابه عن( أمريكا والهند وباكستان) الصادر عن جامعة هارفارد عام1953 إلي أن العوامل المضادة للديمقراطية في هذا البلد أقوي من المقومات التي يمكن أن تدعمها. فقد لاحظ أن التقاليد السياسية الهندية تتسم بالتسلط, وأن هذا البلد لم يكن موحدا, وبالكاد إلا في الفترات التي تعرض فيها للغزو, وأن الجمود الاجتماعي شديد علي نحو يحول دون الحراك الطبيعي اللازم في أي نظام ديمقراطي،فضلاً عن الاختلافات اللغوية والعرقية والدينية،كما أن الوضع الإقليمي لم يكن مواتيا لاستقرار الهند المستقلة حديثا في ذلك الوقت،ولذلك بدا مستقبل الديمقراطية في الهند محفوفا بالخطر.. وإذ ينص دستور الهند الذي تبناه الشعب الهندي بتاريخ 26 كانون الثاني 1950م على أن الهند جمهورية اشتراكية علمانية ديمقراطية ذات سيادة، فقد تبنت الهند النظام النيابي لشكل الحكومة فيها وفقاً لما هو معمول به في المملكة المتحدة ولكن مع وجود تغيير كبير إذ أن للبلاد رئيساً ونائب رئيس منتخبين ولمدة خمس سنوات في منصبيهما، وصارت الديمقراطية واحدة من السمات الأساسية غير القابلة للتحويل في الدستور الهندي وإحدى لبناته الاساسية .
حزب حاكم ومبنى متواضع وقاعة مكشوفة
لم أكن أتصور أن المبنى الشعبي المتواضع الذي زرناه في ثالث أيام برنامج الزيارة هو مقر الحزب الحاكم بنيودلهي ، حيث حصل حزب (آم آدمي) (الإنسان العادي) في ديسمبر من العام قبل الماضي، وهو حزب ناشئ على أغلبية مقاعد المجلس التشريعي في عاصمة الهند (28) مقعداً من أصل (70)ولا يوجد في تاريخ الهند حزب حاز ظهوره الأول هذا التأثير الكبير في الانتخابات بالرغم من مرور عام واحد فقط على تأسيسه ، وتم تنصيب أرفيند كيجريوال (45) عاما، رئيسا لحكومة العاصمة نيودلهي ليصبح أصغر شخص يتولى هذا الموقع المهم..وتتوقف سيطرة حزبي "بهاراتيا جاناتا" و "المؤتمر" على المشهد السياسي الهندي ، ويصير ذلك الحزب الصغير بين عشية وضحاها بديلاً للحزبين الكبيرين في البلد .
استمعنا في قاعة الحزب المكشوفة إلى فكرة تأسيس الحزب وكيف أنه خلال الانتخابات كشف عن مصادر تمويله على عكس الأحزاب السياسية التي تخفي المعلومات المتصلة بمصادر التمويل حيث فضل حزب «آم آدمي» اللعب في الساحة السياسية حسب قواعده الجديدة، إذ نشر تفاصيل التبرعات على موقعه الرسمي على الإنترنت، فضلاً عن أنه طالب مؤيديه بوقف التبرع بعد أن تلقى مبالغ كافية وصلت إلى 200 مليون روبية ، وكان لافتاً أنه عندما طالب الحزب بإيقاف التبرعات، باشر مؤيدوه لنشر ذلك على حساباتهم بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، مما يشير بوضوح إلى أن زعيم الحزب الذي كان إلى وقت قريب ناشطا في مكافحة الفساد وتحول الآن إلى سياسي مرموق، يقدم مثالاً فعلياً على أسلوبه الخاص في العمل السياسي ، بالإضافة إلى والمثير أيضا أنه قبل اتخاذ قرار تشكيل الحكومة التي ستدير شؤون نيودلهي، قرر بعد خروجه منتصرا في الانتخابات، الرجوع إلى الشعب من خلال عمل استطلاعات رأي لمعرفة الاتجاهات الشعبية فيما يخص الطريقة التي ينبغي للحزب أن يتبناها في إدارة شؤون العاصمة.
استقل أعضاء حزب «آم آدمي»، الذين فازوا في الانتخابات الأخيرة، (مترو نيودلهي) أثناء ذهابهم إلى حفل أداء اليمين الدستورية في «رام ليلا ميدان»، رغم أنه بإمكانهم استخدام السيارات الحكومية التي تستخدم إشارات ضوئية حمراء لشق طريقها وسط زحام المواصلات ، وتمت دعوة عامة الشعب لحضور تلك المراسم ، كما رفض السياسي المبتدئ "كيجريوال" ، الذي تعهد بوضع نهاية لما يعرف بـ«ثقافة الشخص المهم جدا» في نيودلهي، الحصول على فئة «Z» الأمنية (والتي تقضي بأن يجري توفير 23 شخصا لحماية مسؤول معين) من شرطة نيودلهي، كما رفض العيش في أحد المنازل الحكومية التي تُعد من الميزات الاعتيادية التي يحصل عليها المسؤولون الذين يشغلون مثل تلك المناصب ، ويتمتع كيجريوال بشخصية متواضعة ومحترمة تتناسب بالفعل مع رجل مقبل من عامة الشعب كان على صلة مباشرة مع «أفقر الفقراء» أثناء عمله في مؤسسة الأم تريزا للإرساليات الخيرية .
بالطبع كان لبروز حزب آم آدمي الذي قرر أن يرسم خطاً مميزاً في حقل السياسة ويعرض نفسه كبديل لـ«طريقة الحكم السيئة» والأموال الفاسدة ومظاهر استعراض القوة التي تبنتها الكثير من الأحزاب القديمة أثر بالغ على استراتيجيات الأحزاب السياسية في الهند ، لمسنا ذلك أثناء زيارتنا لحزب " بهاراتيا جاناتا " الذي قرر تقييم أداءه وتطوير وسائله الاتصالية مع الجماهير، وهذا الحزب كان قد رفض سابقًاً مشروع منح الطالبات المسلمات مساعدات مالية، الذي اقترحته حكومة حزب "سمجاواتي" بولاية "أوتربراديش"؛ حيث قام بالانسحاب من المجلس التشريعي اعتراضًا على المشروع ، وادركنا من خلال نقاشاتنا مع مسؤولين في ذلك الحزب الكبير أن ظهور حزب كيجريوال على الخريطة السياسية أعاد صياغة ديناميكيات العمل السياسي في الهند.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق